Sunday, January 6, 2008

الفن والشرق والاستشراق الابقى

في ما قبل السنوات العشرين الاخيره , صدر عمل فكري هام جدا َ , للمفكر العالمي المعروف والمأسوف عليه جدا , المفكر "اروارد سعيد" , نقصد بذلك كتاب "الاستشراق" , في هذا العمل المهم جدا ً , يبرز المؤلف تلك النظرة الفرنسيه والامريكيه , تجاه (الشرق) المتخيل , وهو يبرز هذه النظره عن طريق المؤلفات النصية ,والكتابية , مبتعدا ً, إلا من لمحة ٍ سريعه وخاطفه , مبتعدا ً عن اهمية العمل الفني , ودروه الهام في تشكيل , او ترسيخ نظرة ما , او دوره في نفيها. ف حسب رأي (إدوارد سعيد) , ان النظرة المتخيله للشرق , جاءت في المقام الاول عن طريق الكتب والمخطوطات لا عبر مصنعات محاكية مثل النحت والخزف.

في هذا السياق, صدر العمل الهام من حيث الموضوع والمنهج , بعنوان ( الفن والشرق الملكية والمعنى في التداول) , وهو يتكون من جزئين , يتناول الاول: النادر والعريق , في حين يتناول الجزء الثاني الفن الاسلامي. للمؤلف المتعدد الاهتمامات (شربل داغر) , عن المركز الثقافي العربي. الطبعة الاولى 2004, وهو ما نحاول عرضه وقرآته.

جاء هذا العمل ليس ك تكملة (للإستشراق) , وانما لكي يختط طريق آخر , وفي نفس الوقت ليتلاقى معه , ويكمله, بل ليضيء الكثير من المناطق المعتمه في هذا الموضوع.

قبل الدخول في الاسئلة الهامة التي يطرحها هذا العمل , ينبغي هنا , ابراز ذلك الحس البوليسي الخفي , في التقصي , والبحث , وهو ما يجعل لهذا العمل اهميته من حيث بنيته الموضوعيه , اي تلك التي تتعلق بموضوع البحث. ففي تلك الفتره , التي اقتضت من المؤلف جمع مادة اقسامه , وذلك من العام (1994-1976), وهي فترة اقامته في فرنسا , اضطر المؤلف للرجوع من بلده (لبنان) والتملص , في احيان ٍ كثيره , من الاجابة عن سؤال البعض فيما يتعلق بموضوع وغرض البحث. راجع ص271 ج 2.

احصائيا ً, تبدو المقارنة بين الاعمال الفنية الاسلامية المتواجدة , على شكل مقتنيات او متاحف او مكتبات, متواجدة في (الدول العربية و الاسلامية) , غير متوازنه , وهي في نفس الوقت تدعو اللتساؤل, فإذا ما عرفنا بأن عدد المتاحف الموجوده في الولايات المتحده الامركية فقط تبلغ 164 متحفا ً. تختص هذه المتاحف بالفن الاسلامي. فيما لا يزيد عدد المتاحف في البلدان الاخرى المتبقية في العالم كله عن 171 متحفا ً.
اذ تبدو البلدان العربية معدمة , اذا عرفنا الارقام الاحصائية التالية :
السويد (21) متحفا ً , اسبانيا (17) متحفا ً , بريطانيا (17), اليابان(8),وغيرها .... في حين ان مدينة استوكهولم السويدية تضم (14) متحفا ً تشتمل على مجموعات من الفن الاسلامي. راجع ص (17) ج 1 .
بالطبع هناك العديد من مجموعات الفن الاسلامي , المتواجده في متاحف كبرى مثل متحف (اللوفر) الفرنسي , و (الميتروبوليتان) في نييورك. وغيرها الكثير.

توضح لنا الاحصائية السابقة, بشكل ٍ كبير كيف ان معظم ان لم نقل كل, مقتنيات الفن والمسمى بالاسلامي , متواجد خارج الحدود الجغرافية (للدول العربية والاسلامية) , والسؤال هو ليس لماذا اصبحت هذه المقتنيات خارج المجال الجغرافي (للدول العربية والاسلامية) , فذلك مرتبط بلا شك بالظروف التاريخية الماضية للإستعمار والتشتت الدخلي , وهو في نفس الوقت لايمكننا فصله عن الايدلوجيا الدينيه الاسلامية السائده والمهيمنه, ولكن السؤال الاهم من ذلك هو: ما هو الهدف من وجود هذا الكم الهائل من المتاحف في الدول الاوروبية فيما يخص المقتنيات المتعلقه (بالفن العربي والاسلامي) ؟ وكيف تم ذلك تاريخيا ً ؟ اي كيف تم جمع هذه المواد على مر السنوات الماضيه؟

من المفيد الحديث هنا , عن كيفية او عن تلك الاحداث التي ساهمت , في تشكيل ذلك المتخيل عن الكيان الغريب والعجيب, والساحر: الشرق. ربما نجد ذلك ماثلا او واضحا ً في تلك الرحلات التي اجراها بعض الرحالة الألمان في طريقه الى الديار المقدسه مارا ً ب بيروت وذلك لدى رؤيته لتلك المناظر العجيبه مما جعلته يتسائل عت ماهيتها وعن تفاصيلها.




إنسانية مبقعّة الالوان :-

تنوّع الألوان وتعددها, في الحياة, واختلاف الايدولوجيات, ساهم بشكل ٍ كبير في ازاحة ظن الفاعلييين الاجتماعيين في الفضاء المسيحي , ابان الحروب الدينية بين القوى المسيحية و القوى المسلمة, مما جعل المفاجأة تطبق على اذهان القوى القادمة للشرق, لتصطدم بالمفاجأة الكبرى الا وهي بأن العالم يحتوي على المختلف والجميل, مما جعل هذا الجمال الفني, وقد اتخذ اشكالا ً متعدده , واوصافا ً متنوعه.
مما جعل هذه التحف الفنية, والمصنوعات الخزفية, تكشف للقادمين بأن العالم اكبر,واوسع من الصورة الناقصة المتخيلة, وهذا ما يجعل هذه المصنوعات قد ذهبت بطرق عديدة , من سرقة ونهب , وغيرها.

اضافة ً لذلك فإن (الحملة على الشرق) والتي قادها (بونابرت) , في نهاية القرن الثامن عشر , وهي التي شكلت لغيرها منهاجا ً تأسيسيا ً. لقد كان مصطلح (الهوس الفرعوني) المصاحب لهذه الحملة يحمل من الدلالات الصريحة او المضمرة الشيء الكثير, فهو يشير الى ذلك الهوس المشغول بالكنوز المدفونه, الى جانب ذلك فهو يشير الى تلك الرغبة في الكشف عن ألغاز اللغة الهيروغليفية, وآخر ينظر الى اهمية الموقع الاستراتيجي.

تشير التقارير التي يوردها هذا العمل التأليفي الهام, الى جملة من التقارير المطموره في ركام المكتبات المنتشرة في (فرنسا) وغيرها , يورد احد هذه التقارير السبب في, سرقة او نهب , او في احسن الاحوال اخذ, هذه المقتنيات يقول ( ان مصلحة هذا الشعب (المصري) , هي التي تملي الامل بضرورة انتقال هذه الشواهد الى أياد ٍ اخرى غير مصر, ولو كانت في مصر امة محبة للفنون الجميلة, لكانت وجدت فيها الشواهد من اجل معرفة العصور الغابرة) ص 356 ج 1 .

نطرح هنا كقرّاء نحاول الحياد قدر الإمكان, تساؤلا ً يختص بعلم نفس الجمهور او المجتمع, نأمل ان يكون تساؤلا ً ليس مقحما ً على السياق التاريخي المصاحب للحملة النابليونية : هل الجملة الواردة في التقرير اعلاه, هي فعلا ً حقيقية,واقعية, ام انها تبريرية , كمجمل الحملة الفرنسية ؟ واذا كانت واقعية, ف مالذي جعل هذه الاعمال الفنية تجد لها وسطا ً اجتماعي/ ثقافي وفرّ لها كل المواد اللازمه لتعددها وتنوعها ؟
ولماذا لم ترد الينا ردود افعال من المجتمع؟ هل يختص بالرأي الديني في ذلك ام ان هنالك اسباب اكثر عمقا ً ؟
نقصد بذلك الاسباب الاقتصادية والمعرفية.

ثمة خطة محكمة, او خطط (بالجمع), ففي عهد (محمد علي) , وبعد هزيمة (بونابرت) , تم تعيين جنرال فرنسي كقنصل عام, يمثل الحكومة الفرنسية, لقد تم تكليفه بمتابعة حملات التنقيب في الاماكن المتوقعه,والمهجوره, ونتيجة ً لهذه الحملات التنقيبية تم جمع الاعداد الكثيره , ما لبث ان ارسلت الى اوروبا.

لم يقتصر هذا الوضع على (فرنسا) , بل ان (لندن) , قامت بفعل ٍ مشابه وافتتحت في العام 1821 (القاعة المصرية) في لندن. هذا التنافس لم يكن مقتصرا ً على (فرنسا) و (لندن) ولكنه كان واضحا ً وحادا فيما بينهما.

اتخذ هذا التنافس اشكالا ً متعدده , وربما التوسع الجغرافي, للكسب التجاري , والهيمنة الثقافية, هما اهم الاسباب الباعثة على التنافس.

بعد نهاية عهد حملة (بونابرت) , دخل الى خط التنقيب العقيد او عالم الآثار (شمبوليون), اذ اضطلعت هذه الحملة من الاساس وبكل وضوح, برصد مواقع الآثار, ووصف العمائر. لقد عرفت هذه الحملة بأقصى درجات التخطيط والتنظيم. لم تقتصر هذه الحملات على(مصر), بل شملت (لبنان) , بقيادة(ارنست رينان) في العام 1860.
ثمة الكثير من حواف المعنى, وآثاره, لا يمكن ان يتم عرضها فيما يخص هذا العمل الهام, وفي نفس الوقت, لا يمكن ان نختزله في هذه القراءة السريعة, ذلك انه عمل تدشيني بكل ما تحمله الكلمة من معنى, ومعنى المعنى.