Saturday, May 8, 2010

الفكر العربي...وعنق الزجاجة

نشرت هذه المقالة في المجلة العربية السعودية ، للإطلاع بإمكانك الضغط على العنوان

يمر الفكر العربي المعُاصر بالكثير من الأزمات ، شأنه في ذلك شأن الكيانات السياسية التي تحتضنه ، أو التي يتم إنتاجه فيها.
تتلخص هذه الأزمات في النقاط التالية :
1) المرجعية:
تكتسب المرجعية في سياق الفكر العربي أهمية خاصة ، فهي بالرغم من تعددها ، وتنوعها ، وتباينها اللغوي ، والفكري ، والتاريخي ، على مدار التاريخ العربي- الإسلامي ، إلا ان السائد بين المنتمين للسياق العربي ، هو إنبتات ، وإنقطاع ، هذا الفكر عن كل ما سواه ، ف حسب هذا الرأي المتزايد يوما ً بعد يوم ، نتيجة ً للكثير من العوامل المتداخلة ، يعُتبر الفكر العربي ، نقيا ً ، مكتفيا ً بذاته ، يتوالد فكريا ً بشكل ذاتي.
غير أن الناظر المتفحص ، لهذه الأيدولوجيا المتخيلة ، المتزايدة بشكل ٍ مستمر ، لا يمكنه تجاوز التنوع العرقي ، واللغوي ، والفكري ، بدءا ً من بدايات تشكل الدولة الإسلامية ، مرورا ً بكل مراحلها اللاحقة ، السياسية ، والمعرفية ، و الصناعية.
لا يرتبط هذا التنوع بحضارة ٍ معينة دون الأخرى ، فهي سمة ملازمة لكل الحضارات في فترات الإزدهار ، والقوة ، ذلك ان الحضارات كالإسفنجة الجغرافية – المعرفية ، تستقبل كل صنوف المعرفة ، وتسعى لتنميتها ، وفي نفس الوقت تسعى لتوسعة الحدود الجغرافية ، وهو ما نجده عند الكثير من الحضارات ، والأمم.
لم تكن هذه الخلفية التاريخية ، المتعددة ، تتعايش بشكل ٍ مثالي ، ومتجانس ، بل كانت هناك الكثير من صنوف العنف الرمزي ، الذي يتحول مع مرور الوقت الى عنف مادي.

2) السياق المعاصر:
في السياق المعاصر ، عمدت الكثير من الآراء المسيطرة ، الى النظر لهذه المرجعية بنوع ٍ من الإصطفاء ، والنرجسية الذاتية ، الأمر الذي أدى الى طمس التنوع التاريخي ، والإبقاء على عنصر عرقي واحد ، ذلك أن بقية الأعراق التي ساهمت في بناء الحضارة العربية- الإسلامية لم تأتي إلا لأغراض ٍ إنتهازية ، أو آنية.
نلاحظ هذا الطمس ، واضحا ً في التسمية الإصطلاحية ، لهذا الفضاء الجغرافي ، والذي يسمى الآن : العالم العربي – الإسلامي ، فالتسمية هنا ، لا تكتفي بطمس التنوع و إلغائه على المستوى المعاصر ، بل تقوم بإجتثاث الــُبعد التاريخي ، المؤسس للوعي الحضاري العربي ومتعلقاته.
أثــّرت هذه الخلفية الإصطفائية التاريخية ، على سياق الفكر العربي المعاصر ، فهو بالرغم من عمق الأزمات التي يئن تحتها ، ويرضخ لها ، بل ويعيد إنتاجها بشكل ٍ دائم ، إلا انه وبهدف الإرتقاء بالخطاب الفكري والإبداعي العربي ، تصبح الإستعارة المفهومية ، والمعرفية ، ضرورة قصوى ، لا غنى عنها ، و لايمكن تجاوزها ، غير أن هذه الإستعارة ما تلبث إلا أن تـُوصم وصاحبها ، بأقسى ، وأقذع النعوت ، والتسميات.
الأمر الذي يجعل المشتغل بالتفكير والإبداع في السياق العربي، في مواجهة البعُد السوسيولوجي المنجذب للسلف ، بكل نقاوته المتخيلة ، وأحاديته الطهرانية.
هكذا نجد أن كل محاولات التجديد العلمية ، والمنهجية ، الموجهة لنقد التراث العربي ، والراهن المعاصر ، تــُقابل بالكثير من المصطلحات ، من قبيل "التغريب" ، و"الأوربة" ، وغيرها الكثير.
3) الأفق المستقبلي:
يبدو الأفق المستقبلي للفكر العربي ، إنعكاسا ً غير مباشر ٍ للأوضاع المعرفية التي تمر بها الحالة العربية الراهنة ، من تبعية ، وإستيراد كامل (مفاهيم ، صناعة ، معارف...الخ) ، غير أن الوضع العام ليس قاتما ً لدرجة الموت، بل هناك نوافذ ، ومداخل/مخارج ، شحيحة ، يتم مطاردتها بوسائل متنوعة ، و متجددة.
الإنجذاب للماضي ، والتخندق في مفاهيمه و أفكاره ، ليس إلا تعبير ٌ واضح عن الموت الوجودي والمفاهيمي ، في حين ان الإنزلاق في الإستيراد المعرفي ، والمفاهيمي ، هو خروج من المرحلة الحالية وسياقها.
الإنهمام بالحاضر ، والإنغماس فيه ، بنقده ، وتعريته ، والنظر إليه من زوايا متعددة ، مع الإنكشاف الواعي على كل الممكنات الفكرية ، والمفاهيمية ، بغض النظر عن مصدرها ، وتاريخها ، شريطة التعديل ، والتمحيص ، ربما ستضع المشهد الثقافي العربي على قدميه ، بدلا ً من رأسه.

Wednesday, May 5, 2010

هاليداي...الغامدي...الجابري

رحل فرد هاليداي بتاريخ 26/04/2010م ، وبتاريخ 03/05/2010م رحل الجابري أيضا ً ، وما بين الزمنين حدثت ، وتحدث ، مستجدات لا نهاية لها ، و لا تاريخ يوثق معظمها.
عندما يرحل الجابري ، فثمة ألم معرفي عميق ، يبدأ في الإزدياد والتوغل ، ثمة نقاشات إنتهت او في طريقها ، ثمة عقول ستهدأ و ربما سيطالها الصدأ والتخشب ، في المقابل ربما ثمة عقول ستأتي ، من التراث الجابري الذي إستمر لمدة عقدين من الزمن و أكثر.
"بنية العقل العربي" ، هذا العمل المذهل في رحلته البحثية المتقصية ، للأفكار والنظم المعرفية المتداخلة في السياق العربي-الإسلامي.
لن سنقرأ لاحقا ً "العقل الجمالي العربي" كما قال الجابري في مقدمته لمؤلفه "العقل الأخلاقي العربي" ، وهو الكتاب الذي كان ينوي كتابته.
في المقابل لن سنقرأ من الآن فصاعدا ً ، هذا الجدل الدائر والمحتدم ، بين الجابري وطرابيشي ، حول مفاهيم ملحة ، كالعلمانية ، والديمقراطية ، و علاقات الإنفصال – الإتصال بينهما.
ستكون هناك نهايات وبدايات كالعاده ‘ غير أن الثابت أن هناك نقاش قد إستمر و طال لفترة ٍ طويلة من الزمن ، أثار بعدها وما يزال الكثير من النقاش ، والإختلاف.

يتحدث الغامدي – رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة - عن الإختلاط ، فينفي بالأدلة المعتمدة لديه ، يقينيات الفقهاء المناصرين لمنع الإختلاط.
يثير ضجة كبيرة ، ونقاش محتدم ، غير متوقع ، في هذا العصر أن يتم مناقشة الإختلاط بأدوات ٍ معرفية لغوية ، تنتمي للعصور الإسلامية الأولى.
لماذا تتم الآن مناقشة الإختلاط في الأصل ؟
المناقشة ضرورية ، ولكن هل الفصل في الحياة العامة ممكن الحدوث ؟
في هذا السياق التراجعي للمواضيع التي يتم مناقشتها ، والتي تأخذ حيزا ً كبيرا ً من الإهتمام والمتابعة ، نجد أن هاليداي في حواره المنشور هنا http://harrasi.blogspot.com/2010/04/blog-post_27.html
في حديثه عن اللغة ب " إعتبارها جزء مهم في تحديد الشعوب والمجتمعات وتفاعلها الاجتماعي، " نجد ان هذه المجتمعات لا تعيش لحظتها و راهنيتها بل تعيش ماضيها ، لغويا ً ، ومعرفيا ً ، وهذا هو الأهم من كل المستويات الأخرى.

Saturday, November 14, 2009

اليوم العالمي للفلسفة

الحدث : الإحتفالية الأولى باليوم العالمي للفلسفة

المكان: مسقط ، النادي الثقافي
الزمان :21 &22/11/2009م
التوقيت : الساعة السابعة مساء
محاور الندوة
اليوم الأول
كلمة الجمعية
عبدالله حبيب : الفلسفة والسينما
محمد رضا اللواتيا : تأثير فلسفة إبن سينا في الفلسفة الغربية
مدير الجلسة : سماء عيسى
اليوم الثاني
خميس العدوي :التفلسف في علم الكلام : جامع البسيوي أنموذجا
علي سليمان الرواحي : غياب مادة الفلسفة من المناهج التعليمية العمانية
مدير الجلسة : سماء عيسى


الدعوة عامة

Wednesday, November 4, 2009

تداول الغموض

مفهوم (الوطنية) نموذجاً

يثير مفهوم (الوطنية) في الوقت الحاضر إشكاليات ٍ كثيرة، ونقاش لا ينتهي. تأخذ هذه الإشكاليات أبعادا ً مختلفة، ومحاور متباينة، ذلك
إن المفهوم في عمقه غير قابل للتحديد والتعيين، وهو تصنيفي بالدرجة الأولى. انه يتسع للشيء ونقيضه. بالإضافة إلى ذلك فهذا المفهوم يتم تداوله وتناقله بين الفاعلين الاجتماعيين بشكل ٍ مستمر ٍ ودائم وفي معظم المناسبات والأحداث، وهو غامض من حيث إن التعريفات أو محاولات تعريفه لا تزيده وضوحا ً بقدر ما تزيده غموضا ً، وحجبا ً.

تحاول هذه الورقة الاقتراب من هذا المفهوم الشائك من الناحية التاريخية ومن الجانب المفاهيمي.
لن نستطيع الحديث عن هذا المفهوم دون الحديث عن النقيض ، وعلى هذا الأساس فلن يكون بإمكاننا الحديث عن الشخص الوطني دون الحديث عن المنشق أو الخائن أو العميل والعديد من الألفاظ التي تقترب من هذا المعنى.

في ما مضى من الزمان كان الكائن البشري يتنّقل في هذه الأرض بلا حدود جغرافية أو شروط رقابية، كانت الأرض عبارة عن وطن دائم بدون هذه التحديدات والشروط، ونتيجة لتكاثر هذا الكائن وازدياده اضطر لوضع الحدود الجغرافية والمعرفية بينه وبين الآخرين. من هنا ظهر "الآخر" وظهرت معه السدود. بالرغم من وجود التجمعات منذ قديم الزمان إلا إن الأفكار لم تتبلور إلى وجود تنظيمات ٍ سياسية كما هي الآن إلا حديثا ً (نستخدم هنا تاريخ الفترات الطويلة ، حسب "بروديل"ً أي تلك النظرة التي تمتد لقرون وليست لعقود فقط) ومع ازدياد التغيرات الشاملة وتسارعها على الكائن البشري تبلور لديه ما يسمى بالوطن. وتشكلت الدولة كحدود ٍ جغرافية محددة. لها قوانينها المختلفة عن بقية الدول أو الكيانات الأخرى. تختلف الدولة عن الوطنية في طرحنا هنا، وسبب هذا الاختلاف أن الدولة محددة جغرافيا ً ومكانيا ً في حين أن الوطن لا يمكن تحديده. الدولة قابلة للعقلنة والوطن ارتباط وجداني وعلاقة عشق. الوطن مجموعة من المشاعر والعواطف الغير قابلة للتعليل تجاه مكان معين أو حضارة معينه، في حين أن الدولة هي ذلك المكان الجغرافي المعروف باسم ٍ معين على المستوى السياسي وبقية المستويات الأخرى. بشكل ٍ غير مباشر يتم هنا طرح مفهومي "الانتماء" "والانتساب" ، برغم صعوبة الحسم في مواضيع كهذه.

في حديثنا عن الوطنية، نتحدثُ عن صفات ٍ ذاتية ومشاعر خاصة، لا يمكن قياسها أو إمساكها، ذلك إن هذه المقاييس – إن وجدت- ف هي مقاييس ظرفية، خاضعة للزمان والمكان، أي أن لها أسباب نزول وبالتالي لها مناسبة محددة قيلت فيها وهذا يعني أنها لا تنطبق على ظروف ٍ وتجارب أخرى، وهي (المقاييس) مشبّعة ُ بالرؤى والتجارب الذاتية وممزوجة بالخلفيات المعرفية للكائن البشري ، وموجهة من قبل الشروط والإمكانيات الاجتماعية والمعرفية والسلطوية.

كيف إذن يتم تحديد الوطني أو نقيضه ؟ وعلى أي أساس يتم هذا التصنيف؟

ورد سابقا ً أن التجارب الشخصية هي المحدد لمقياس الوطنية من عدمه، لذلك فهو يحتمل اللانهائي من التعريفات والمقاربات. تتداخل المصالح الشخصية مع المصالح العامة في المواقف التاريخية والأحداث الحاسمة حتى إن الفصل بينهما يستوجب بحثا ً تفصيليا ً دقيقا ً للأحوال والمواقف. هذا التداخل بين الذاتي والعام أدى إلى حدوث اختلاف في تأويل المواقف وتباين في مصادرها وأهدافها. لذلك يتم بين الحين والآخر إلصاق الصفات النقيضه للوطنية من قبل الخائن والعميل(بالمعنى السياسي وليس بالمعنى التجاري) وغيرها الكثير من الصفات.

ثمة ارتباط وجداني لا يخضع للسببية بين الوطنية والمجال السياسي، حتى إننا نجد أن الوطنية أو الحديث عنها لا يتم إلا في الأزمات أو أوقات الشدة ، في حين أن في أوقات الرخاء لا يتم الحديث عنها، بل ويتم تناسي هذا النوع من الصفات. بإمكاننا تسمية هذه الوضعية ب (اكتشاف الوطن) ، ف قبل هذه الأزمات نلاحظ اختفاء ً تاما ً لمفاهيم مثل الوطنية ومختلف الصفات التي تشترك معها، وحينما تبدأ الأزمات بالتبلور والظهور تنبثق العدة المفاهيمية والرؤى التصنيفية .هذا الترابط بين المجال السياسي والوطنية يكشف عن هيمنة الفكر السياسي على المتداولين لهذه الصفات وبالتالي فقدان الارتباط بين الوطنية وبقية المجالات الأخرى. غياب المجالات الأخرى عن الوطنية فيتم تغييب أو تهميش مجالات ٍ أخرى كالمجال الاجتماعي والديني.

على المستوى التاريخي والواقعي نجد أن مفهوم الوطنية ومن خلال الممارسات المتعددة تم استخدامه على نطاقات متعددة ومستويات ٍ مختلفة ، بل وفي مواقف متناقضة.

Sunday, January 6, 2008

الفن والشرق والاستشراق الابقى

في ما قبل السنوات العشرين الاخيره , صدر عمل فكري هام جدا َ , للمفكر العالمي المعروف والمأسوف عليه جدا , المفكر "اروارد سعيد" , نقصد بذلك كتاب "الاستشراق" , في هذا العمل المهم جدا ً , يبرز المؤلف تلك النظرة الفرنسيه والامريكيه , تجاه (الشرق) المتخيل , وهو يبرز هذه النظره عن طريق المؤلفات النصية ,والكتابية , مبتعدا ً, إلا من لمحة ٍ سريعه وخاطفه , مبتعدا ً عن اهمية العمل الفني , ودروه الهام في تشكيل , او ترسيخ نظرة ما , او دوره في نفيها. ف حسب رأي (إدوارد سعيد) , ان النظرة المتخيله للشرق , جاءت في المقام الاول عن طريق الكتب والمخطوطات لا عبر مصنعات محاكية مثل النحت والخزف.

في هذا السياق, صدر العمل الهام من حيث الموضوع والمنهج , بعنوان ( الفن والشرق الملكية والمعنى في التداول) , وهو يتكون من جزئين , يتناول الاول: النادر والعريق , في حين يتناول الجزء الثاني الفن الاسلامي. للمؤلف المتعدد الاهتمامات (شربل داغر) , عن المركز الثقافي العربي. الطبعة الاولى 2004, وهو ما نحاول عرضه وقرآته.

جاء هذا العمل ليس ك تكملة (للإستشراق) , وانما لكي يختط طريق آخر , وفي نفس الوقت ليتلاقى معه , ويكمله, بل ليضيء الكثير من المناطق المعتمه في هذا الموضوع.

قبل الدخول في الاسئلة الهامة التي يطرحها هذا العمل , ينبغي هنا , ابراز ذلك الحس البوليسي الخفي , في التقصي , والبحث , وهو ما يجعل لهذا العمل اهميته من حيث بنيته الموضوعيه , اي تلك التي تتعلق بموضوع البحث. ففي تلك الفتره , التي اقتضت من المؤلف جمع مادة اقسامه , وذلك من العام (1994-1976), وهي فترة اقامته في فرنسا , اضطر المؤلف للرجوع من بلده (لبنان) والتملص , في احيان ٍ كثيره , من الاجابة عن سؤال البعض فيما يتعلق بموضوع وغرض البحث. راجع ص271 ج 2.

احصائيا ً, تبدو المقارنة بين الاعمال الفنية الاسلامية المتواجدة , على شكل مقتنيات او متاحف او مكتبات, متواجدة في (الدول العربية و الاسلامية) , غير متوازنه , وهي في نفس الوقت تدعو اللتساؤل, فإذا ما عرفنا بأن عدد المتاحف الموجوده في الولايات المتحده الامركية فقط تبلغ 164 متحفا ً. تختص هذه المتاحف بالفن الاسلامي. فيما لا يزيد عدد المتاحف في البلدان الاخرى المتبقية في العالم كله عن 171 متحفا ً.
اذ تبدو البلدان العربية معدمة , اذا عرفنا الارقام الاحصائية التالية :
السويد (21) متحفا ً , اسبانيا (17) متحفا ً , بريطانيا (17), اليابان(8),وغيرها .... في حين ان مدينة استوكهولم السويدية تضم (14) متحفا ً تشتمل على مجموعات من الفن الاسلامي. راجع ص (17) ج 1 .
بالطبع هناك العديد من مجموعات الفن الاسلامي , المتواجده في متاحف كبرى مثل متحف (اللوفر) الفرنسي , و (الميتروبوليتان) في نييورك. وغيرها الكثير.

توضح لنا الاحصائية السابقة, بشكل ٍ كبير كيف ان معظم ان لم نقل كل, مقتنيات الفن والمسمى بالاسلامي , متواجد خارج الحدود الجغرافية (للدول العربية والاسلامية) , والسؤال هو ليس لماذا اصبحت هذه المقتنيات خارج المجال الجغرافي (للدول العربية والاسلامية) , فذلك مرتبط بلا شك بالظروف التاريخية الماضية للإستعمار والتشتت الدخلي , وهو في نفس الوقت لايمكننا فصله عن الايدلوجيا الدينيه الاسلامية السائده والمهيمنه, ولكن السؤال الاهم من ذلك هو: ما هو الهدف من وجود هذا الكم الهائل من المتاحف في الدول الاوروبية فيما يخص المقتنيات المتعلقه (بالفن العربي والاسلامي) ؟ وكيف تم ذلك تاريخيا ً ؟ اي كيف تم جمع هذه المواد على مر السنوات الماضيه؟

من المفيد الحديث هنا , عن كيفية او عن تلك الاحداث التي ساهمت , في تشكيل ذلك المتخيل عن الكيان الغريب والعجيب, والساحر: الشرق. ربما نجد ذلك ماثلا او واضحا ً في تلك الرحلات التي اجراها بعض الرحالة الألمان في طريقه الى الديار المقدسه مارا ً ب بيروت وذلك لدى رؤيته لتلك المناظر العجيبه مما جعلته يتسائل عت ماهيتها وعن تفاصيلها.




إنسانية مبقعّة الالوان :-

تنوّع الألوان وتعددها, في الحياة, واختلاف الايدولوجيات, ساهم بشكل ٍ كبير في ازاحة ظن الفاعلييين الاجتماعيين في الفضاء المسيحي , ابان الحروب الدينية بين القوى المسيحية و القوى المسلمة, مما جعل المفاجأة تطبق على اذهان القوى القادمة للشرق, لتصطدم بالمفاجأة الكبرى الا وهي بأن العالم يحتوي على المختلف والجميل, مما جعل هذا الجمال الفني, وقد اتخذ اشكالا ً متعدده , واوصافا ً متنوعه.
مما جعل هذه التحف الفنية, والمصنوعات الخزفية, تكشف للقادمين بأن العالم اكبر,واوسع من الصورة الناقصة المتخيلة, وهذا ما يجعل هذه المصنوعات قد ذهبت بطرق عديدة , من سرقة ونهب , وغيرها.

اضافة ً لذلك فإن (الحملة على الشرق) والتي قادها (بونابرت) , في نهاية القرن الثامن عشر , وهي التي شكلت لغيرها منهاجا ً تأسيسيا ً. لقد كان مصطلح (الهوس الفرعوني) المصاحب لهذه الحملة يحمل من الدلالات الصريحة او المضمرة الشيء الكثير, فهو يشير الى ذلك الهوس المشغول بالكنوز المدفونه, الى جانب ذلك فهو يشير الى تلك الرغبة في الكشف عن ألغاز اللغة الهيروغليفية, وآخر ينظر الى اهمية الموقع الاستراتيجي.

تشير التقارير التي يوردها هذا العمل التأليفي الهام, الى جملة من التقارير المطموره في ركام المكتبات المنتشرة في (فرنسا) وغيرها , يورد احد هذه التقارير السبب في, سرقة او نهب , او في احسن الاحوال اخذ, هذه المقتنيات يقول ( ان مصلحة هذا الشعب (المصري) , هي التي تملي الامل بضرورة انتقال هذه الشواهد الى أياد ٍ اخرى غير مصر, ولو كانت في مصر امة محبة للفنون الجميلة, لكانت وجدت فيها الشواهد من اجل معرفة العصور الغابرة) ص 356 ج 1 .

نطرح هنا كقرّاء نحاول الحياد قدر الإمكان, تساؤلا ً يختص بعلم نفس الجمهور او المجتمع, نأمل ان يكون تساؤلا ً ليس مقحما ً على السياق التاريخي المصاحب للحملة النابليونية : هل الجملة الواردة في التقرير اعلاه, هي فعلا ً حقيقية,واقعية, ام انها تبريرية , كمجمل الحملة الفرنسية ؟ واذا كانت واقعية, ف مالذي جعل هذه الاعمال الفنية تجد لها وسطا ً اجتماعي/ ثقافي وفرّ لها كل المواد اللازمه لتعددها وتنوعها ؟
ولماذا لم ترد الينا ردود افعال من المجتمع؟ هل يختص بالرأي الديني في ذلك ام ان هنالك اسباب اكثر عمقا ً ؟
نقصد بذلك الاسباب الاقتصادية والمعرفية.

ثمة خطة محكمة, او خطط (بالجمع), ففي عهد (محمد علي) , وبعد هزيمة (بونابرت) , تم تعيين جنرال فرنسي كقنصل عام, يمثل الحكومة الفرنسية, لقد تم تكليفه بمتابعة حملات التنقيب في الاماكن المتوقعه,والمهجوره, ونتيجة ً لهذه الحملات التنقيبية تم جمع الاعداد الكثيره , ما لبث ان ارسلت الى اوروبا.

لم يقتصر هذا الوضع على (فرنسا) , بل ان (لندن) , قامت بفعل ٍ مشابه وافتتحت في العام 1821 (القاعة المصرية) في لندن. هذا التنافس لم يكن مقتصرا ً على (فرنسا) و (لندن) ولكنه كان واضحا ً وحادا فيما بينهما.

اتخذ هذا التنافس اشكالا ً متعدده , وربما التوسع الجغرافي, للكسب التجاري , والهيمنة الثقافية, هما اهم الاسباب الباعثة على التنافس.

بعد نهاية عهد حملة (بونابرت) , دخل الى خط التنقيب العقيد او عالم الآثار (شمبوليون), اذ اضطلعت هذه الحملة من الاساس وبكل وضوح, برصد مواقع الآثار, ووصف العمائر. لقد عرفت هذه الحملة بأقصى درجات التخطيط والتنظيم. لم تقتصر هذه الحملات على(مصر), بل شملت (لبنان) , بقيادة(ارنست رينان) في العام 1860.
ثمة الكثير من حواف المعنى, وآثاره, لا يمكن ان يتم عرضها فيما يخص هذا العمل الهام, وفي نفس الوقت, لا يمكن ان نختزله في هذه القراءة السريعة, ذلك انه عمل تدشيني بكل ما تحمله الكلمة من معنى, ومعنى المعنى.

Friday, October 26, 2007

الإنتاج الحضاري والسياقات العربية الراهنة

X

تسعى الدول الحديثة العهد (بالاستقلال) السياسي , تسعى لبناء متكامل وسريع للحاق بالدول التي استقلت منذ فترة طويلة , وهي في سعيها الحثيث تتخذ العديد من الخطوات والإجراءات التي تخوّلها للدخول في هذا العصر. تحاول هذه الورقة البحث في السياقات الراهنة الرئيسية ومدى ملائمتها لهذه الخطوات الساعية لمواكبة الدول الأخرى.

في البداية لا بد من الاعتراف بصعوبة وتشعب وتداخل هذا الموضوع مع مواضيع أخرى كثيرة, سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية.

مقدمة لا بد منها:-

ثمة هاجس مسيطر على العقول والأذهان منذ فترة طويلة, ألا وهو هاجس التقدم والإنتاج الحضاري, ولتحقيق هذا التقدم تم طرح الكثير من النقاط والمواضيع الممكنة , فهناك الفكر القومي والفكر الديني والفكر الماركسي والفكر العلماني والفكر التقني , وغيره الكثير من الأطروحات والفرضيات التي تم طرحها للدخول في التقدم المعاصر.

ولتحقيق هذا التقدم تم تشخيص الأزمات التي مرت بها (الأمة العربية ) وما تزال, منذ فترة طويلة ,على أوجه ٍ متعددة, وطرق متباينة, فهناك من يقول بأن البعد عن النهج النبوي والراشدي(نسبة ً للخلفاء الراشدين) , ودخول الدولة الإسلامية إلى مرحلة (الملك العضوض) , كما يقول البعض , كان من أهم الأسباب المؤدية للسكون والتخلف فيما يختص بهذه (الأمة العربية) , فيما يرى البعض أن الاستبداد السياسي , والتفّرد بالرأي, هو احد أهم الأسباب إن لم يكن أهمها على الإطلاق في تفاقم الوضع, كما يقول (عبد الرحمن الكواكبي) , فيما يرى أطراف آخرون , بأن البعد عن التفكير الفلسفي والتفكير العلمي من أهم الأسباب , كما يرى آخرون بأن توقف الاستعارة المعرفية من الحضارات الأخرى أو كما تسمى بالترجمة , لها دور كبير في هذه الأوضاع المحرجة , ذلك أن الاستعارة المعرفية من الحضارات الأخرى لها دور كبير في اغناء الحضارات المستعيرة بالأفكار والألفاظ والمدارس المعرفية وغيرها ,في حين يرى البعض بأن تهميش دور المرأة واختزال هذا الدور- بوصفها نصف المجتمع- إلى "شيء" مكمّل , وملحق بقائمة الرجل الطويلة, هو من أهم الأسباب في استمرار هذه الأزمة وتواصلها, فيما يرى آخرون بأن نظام التعليم بمجمله والعنصرية الدينية والانغلاق المعرفي, والبعد عن التحديث المتواصل لهذه المناهج من أهم الأسباب لهذا الوضع, وهناك الكثير غيرها.

اتجه آخرون لنماذج حضارية معاصرة , تعرضت لأوضاع ٍ مشابهه للأوضاع التي مرت بها(الأمة العربية) , ولكنها لأسباب كثيرة تخطت هذه العوائق وتجاوزت التحديات , ولذلك أصبحت نماذج من الممكن بل ومن الضروري الاستفادة من تجاربها التاريخية , بغرض الخروج من ذيل القائمة (الحضارية) .في قائمة المتصدرين من هذه النماذج نجد النموذج الياباني , كما طرحه المؤرخ والباحث المعاصر( مسعود ضاهر).

اتفق الجميع تقريبا ً برغم اختلافهم الشديد وتباينهم الواضح , اتفقوا على وجود أزمة, واختلفوا في المقابل – وهذا شيء طبيعي- حول أسباب هذه الأزمة وبالتالي حول كيفية معالجتها , وهي في الواقع ليست أزمة واحدة , بل هي أزمات (بالجمع), أصبحت على شكل طبقات متصلبة مع مرور الزمن , حتى إن التفريق بين السبب والنتيجة أصبح صعبا ً للغاية إن لم يكن مستحيلاً. في المقابل لم تتوقف هذه المحاولات المتعددة للخروج من هذه الأزمة, لم تتوقف عن الظهور تحت مسميات كثيرة, تختلف هذه المسميات حسب المرجعية المعرفية التي جاءت منها هذه المحاولات , نجد من بينها وربما أبرزها: الإسلام هو الحل , والعلمانية هي الحل , الوحدة الاقتصادية العربية , التكتلات الإقليمية (مجلس التعاون الخليجي), جامعة الدول العربية , إسلام بلا مذاهب , التقريب بين المذاهب ...وغيرها الكثير.

تذهب بعض الآراء إلى أن وجوه الأزمة العربية متعددة ومتنوعة, وهي لا تقتصر على وجه ٍ دون الآخر , فهي(الأزمة) تبدأ من الماضي ومن جذور الماضي البعيد, ذلك الماضي الذهبي حسب تعبيرات البعض,الذي لم ولن يعود مجددا على الأقل واقعيا ً , ولكنه من المحتمل أن يعود ذهنيا ً فقط في نظر الذين يشعرون بالحنين الجارف له, وهي متغلغلة في عقلية الكائن الراهن, الذي يعيش في الألفية الثالثة, فهذا الكائن يفكر ويرى ويحس ويتعامل ويرسل ويستقبل ويستنتج ويتوقع , ويمارس جميع آليات الحياة كما كانت تمارس في الماضي ,متقمصا ً بذلك شخصية وأفكار من سبقوه.

لذلك جاء الحاضر مشابها ً إن لم نقل مطابقا ً من حيث العمق - طبعا -ً للماضي البعيد, فهذا الحاضر لا يختلف عن الماضي إلا من حيث البنية الشكلية فقط, لقد حدثت عملية إبدال شيء محل شيء آخر , أو استعارة شيء محل آخر مختلف , فمازالت العقلية العربية تتعامل بمنطق "الآخر" تجاه المختلف عنها. الآخر هنا بمعنى النقيض والضد. فالعقلية المذهبية والقبلية والعنصرية العرقية, وغيرها هي ما يحرّك مخيال الفاعل الاجتماعي في الفضاءات المصطلح عليها بأنها عربية. لا يكف الماضي عن التلّون والتخفي, في ثنايا الحاضر وربما في المستقبل أيضا ًً.

شروط الإنتاج الحضاري:-

ثمة عوامل وأسباب عديدة, مهمة وضرورية ولا يمكن تهميشها أو الاستغناء عنها أو حتى تأجيلها لفترات ٍ زمنية ٍ قادمة, إذا قرر أي كيان ٍ سياسي الانتقال من مرحلة الوجود والاستهلاك إلى المرحلة الأكثر أهمية ً وتعقيدا ً وهي مرحلة الحضور والإنتاج الحضاري. لا يمكن أن تزدهر المجتمعات إلا بتوافر منظومة مترابطة من العوامل و الشروط, من أهمها: الحرية. نقصد بها الحرية المنظمة, أي تلك الحرية المسؤولة وهي في ذلك تختلف كثيرا عن الفوضى , وهي في المقابل خاضعة لمنطق المجتمع المدني. تتسع الحرية لتشمل حرية الرأي و المعتقد وإمكانية التعبير عن هذه القضايا بما يحفظ للمختلفين إمكانية التعبير عن هذا الاختلاف بكل انفتاح وتعدد. ترتبط حرية الرأي والمعتقد ارتباطا ً كبيرا بما يسمى بالمجتمع المدني المرتبط أيضا بالضرورة بمفهوم الديمقراطية. الحرية ليست شعارا ً سحريا ً يحول العالم إلى فردوس, بل هي منظومة معقدة, وشبكة مترابطة مع الكثير من المفاهيم والرؤى. ومعنى ذلك إنها يجب أن تتجذر أولا ً في عمق ( الأنظمة التاريخية ) الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية. فالرأي الواحد في جميع المجالات لا يؤدي إلا إلى شيوع نمط واحد في الرؤية والتفكير و هذا يؤدي بالضرورة إلى عدم وجود تنوع في المجالات الحياتية المختلفة سواء ً أكانت فكرية أم دينية أو غيرها. ثمة عوامل وشروط , بإمكاننا اعتبارها الأرضية الخصبة للحرية وازدهارها, من أهمها الوعي الفردي , و السياقات والشروط الاقتصادية.

لا يمكن أن نتصور إن تمارس الحرية بدون وعي فردي أو جماعي في ما يتعلق بالقوانين المعطاة من قبل السلطة السياسية.فالحرية هي الوعي بالحدود الموضوعة على التصرف , كما يقول عبدالله العروي. فانعدام أو ضمور هذا الوعي يعني من ضمن أشياء كثيرة, انعدام أو ضمور الأفق السياسي للفرد , الذي- والحالة هذه- من المفترض انه يتمتع بحس ٍ سياسي ورؤية واسعة نوعا ً ما وذلك تجنبا ً للعواقب التي من الممكن أن تعطّل من فاعليته أو تحدها.

تقوم الحرية على تصورات, لذلك نجدها تختلف من شخص ٍ لآخر, حسب الخلفية المعرفية والتصورية والزمنية للمتحدث. قد تكون إجابة المرأة المنغمسة في الفضاءات العربية بأن الحرية هي المساواة مع الرجل من حيث الحقوق والواجبات وتبوأ المناصب السياسية في حين أن من المحتمل إن ثمة إجابة مختلفة تأتي من امرأة تنتمي لفضاءات معرفية مغايرة. نجد نفس الآلية في ما يخص "المثقف" فهو يطالب في الفضاءات العربية بهامش ٍ أوسع وفضاء أرحب من الحرية في الكتابة والتعبير وإثارة الأسئلة , بينما نجد المثقف في فضاءات اخرى , ونقصد هنا بالتحديد الفضاءات الأوروبية تحديدا ُ, يمارس هذه الحرية بدون الحاجة للمطالبة بها والإلحاح عليها. والسؤال هو لماذا ؟ كيف وصلت بعض الفضاءات لمستوى متقدم , مقارنة مع المستوى العربي بالطبع , في حين أن بعض المستويات أكثر تأخرا ً من المستوى العربي. كيف حصل هذا التفاوت ؟ هل لذلك علاقة بالتاريخ؟ أم بالنصوص الفاعلة (القانونية والدينية) ؟ أم أن كل شيء مرتهن بالكائن البشري ومدى قدرته على الوصول إلى ما يريد ؟

لا يتم استيراد الوعي مثلما هو الحال حينما يتم استيراد ألآت الإنتاج في المصانع والمعامل, بل هو مرتهن بجدلية ٍ عميقة , وبمجموعة ٍ من التجارب والأسئلة التي تطرحها الذات على نفسها وتاريخها و حاضرها , حتى انه في بعض الأحيان من الممكن أن تصبح" الذات عينها كآخر ", إنها تعني في هذا السياق بأنه من الممكن إن تصبح الذات من المراجعات التي تطرحها على العناصر الثقافية والتاريخية لماضيها, إن تصبح اقرب ما يكون للآخر: المضاد والنقيض. وهذه المرحلة , مرحلة طرح الأسئلة على الذات والحاضر ومسائلة التاريخ بكل مراحله, هي من أكثر المراحل أهمية ً وحسما ً وتعقيدا ً فيما يتعلق بأي مجموعة بشرية تحاول الدخول في مراحل إنتاجية ومعرفية قادمة. اجترار القديم وإعادة تكراره بدون طرح أي أسئلة عليه, والقول بأنه لا يخضع لكل هذا التقدم المعرفي والمنهجي هو في حد ذاته عجز متراكم , يتصل بالذات المفترض إنها تطرح تساؤلات محرجة وحادة, على كل ما يتعلق بالقديم الذي يساهم في تشكيل المستقبل عن طريق الحاضر وتراكماته.

يرتبط الوعي بالأساس بالعديد من المستويات أو البنى التحتية , كما هي مصطلحات الماركسية, فهو (الوعي) , من المحتمل أن يكون انعكاسا ً أو امتدادا ً للمستويات الاجتماعية أو الاقتصادية.اختلفت الآراء حول أي العوامل أكثر تأثيرا على وعي الفرد , وأيها الأقل.

ارتبط الوعي بالعامل الاقتصادي ارتباطا ً كبيرا ً, فهو عامل مهم ومؤثر في توجيه اهتمامات وسلوكيات الأشخاص.
لقد ساهمت العوامل الاقتصادية الجيدة في اغلب الأحيان في استقرار الجماعات والأفراد , مما جعل النتائج الايجابية لهذا الاستقرار تساهم وبشكل ٍ واضح في ازدهار هذه المجتمعات أو تلك, بل وساهمت في نشوء المدينة أو الحاضرة حسب التعبير القديم. ونشأة التجمعات الحضرية واستقرارها مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالعديد من العوامل والاشتراطات الاقتصادية والثقافية والفكرية والأمنية. فإذا رجعنا للحواضر الكبيرة والمؤثرة في التاريخ, ونقصد هنا الحاضرة اليونانية في عصر ازدهار الفلسفة الإغريقية, والحاضرة العربية في عصر آل بويه أو في جيل مسكوية , أو في بداية عصر التنوير الأوروبي , نجد أن الجانب الاقتصادي ساهم بشكل كبير في الاهتمام بالكائن البشري وما نتج عن ذلك من علوم ومعارف ومن تنوع واختلاف كان له الدور الأكبر في إثراء الكائن البشري وتقبله للأفكار المختلفة وتلاقحها. فمن المتعذر على الكائن البشري تقبل الاختلاف والغيرية في ما يتعلق بالأفكار التي احتضنها واعتقد بها, إذا كانت العوامل الاقتصادية غير مواتية. كيف للكائن البشري أن يقبل بالاختلاف إذا كان الفقر والجوع يحاصره من جميع الجهات ؟ كيف للمجتمع أن يستمع أو يستوعب الأفكار الجديدة عليه إذا كان إفراده يتضورون جوعا ً, ولا يرون من الحياة إلا كيف يضاعفون الثروات قبل الأفكار, والحسابات المصرفية قبل بحثهم عن ما يرسّخ اختلافهم, ويوطّد اجتماعهم ؟ كيف لهذا الكائن المحاصر ماليا ً واقتصاديا ً أن يفكر في إنتاج ٍ حضاري وهو يتعرّض لأزمات خانقه؟

بإمكاننا القول بأن الاستقرار الاقتصادي هو المقدمة لكل الأنشطة المرتبطة بالكائن البشري , من إبداع معرفي, وإنتاج صناعي , وازدهار اجتماعي. ف بدون هذا الاستقرار لا يستطيع الكائن البشري الاستيطان, وبالتالي يصبح من المتعذر عليه أن يخلق أنظمة سياسية وفكرية واجتماعية, لأن هذه الأنظمة تحتاج لتوطين وترسيخ في عقول وأذهان وسلوكيات الأشخاص الفاعلين. لا تنحصر هذه الرؤية على المدن والحواضر القديمة بل هي متجذرة في السياقات الراهنة أيضا ً, بل إن هذه الرؤية تشمل حتى السياقات القادمة.

نختتم هذه الورقة بالسؤال المعروفة إجابته سلفا ً: هل الشروط السابقة للإنتاج الحضاري متوافرة في السياقات العربية الراهنة ؟ من الإجحاف الكبير أن تأتي الإجابة تقليدية, ف السياقات العربية الراهنة ليست متشابهة, ولكل سياق خصوصياته وميزات ينفرد بها عن بقية السياقات. لذلك ف كل سياق بحاجة ٍ لدراسة ٍ معمقة تشمل التاريخ والحاضر بكل تنويعاته وأطيافه. في المقابل نستطيع القول بأن الراهن العربي لا يختلف كثيرا ً برغم تعدد السياقات مما يعطينا إمكانية القول بأن السياقات العربية الراهنة مستهلكة في كل المجالات والنواحي , وتعيش حالة من التبعية الشاملة, بالإضافة لذلك فهي تساهم بطرق ٍ متعددة في إنتاج العوائق لكل إنتاج حضاري , سواء ً هذه العوائق فكرية أو اقتصادية أو صناعية. لا يعني هذا بأي حال ٍ من الأحوال أن الإمكانيات المستقبلية للإنتاج الحضاري في السياقات العربية الراهنة منعدمة أو لا يمكن إعادة إنتاجها, ف هناك شواهد عديدة, وإشارات مختلفة, توضح بأن هناك إمكانيات كامنة تحتاج لما يجعلها تنتقل من مرحلة الإنتاج بالقوة (الفكرة) إلى مرحلة الإنتاج بالفعل (التطبيق), بحسب تعبير الفلاسفة العرب القدماء. ولكن مرحلة الإنتاج بالفعل تحتاج ل جملةٍ من الاشتراطات والعوامل المتعددة, وليس إلى شرط ٍ واحد اعزل وهو الإرادة الشخصية أو الجهد الذاتي, بل لا بد من وجود مؤسسات مدنية تتبنى - على الأقل في المراحل الأولى - كل هذه المبادرات والجهود الفردية, والتي بدورها تساهم ولو بجزء بسيط في إنعاش روح الابتكار الفردي والجماعي.