Saturday, May 8, 2010

الفكر العربي...وعنق الزجاجة

نشرت هذه المقالة في المجلة العربية السعودية ، للإطلاع بإمكانك الضغط على العنوان

يمر الفكر العربي المعُاصر بالكثير من الأزمات ، شأنه في ذلك شأن الكيانات السياسية التي تحتضنه ، أو التي يتم إنتاجه فيها.
تتلخص هذه الأزمات في النقاط التالية :
1) المرجعية:
تكتسب المرجعية في سياق الفكر العربي أهمية خاصة ، فهي بالرغم من تعددها ، وتنوعها ، وتباينها اللغوي ، والفكري ، والتاريخي ، على مدار التاريخ العربي- الإسلامي ، إلا ان السائد بين المنتمين للسياق العربي ، هو إنبتات ، وإنقطاع ، هذا الفكر عن كل ما سواه ، ف حسب هذا الرأي المتزايد يوما ً بعد يوم ، نتيجة ً للكثير من العوامل المتداخلة ، يعُتبر الفكر العربي ، نقيا ً ، مكتفيا ً بذاته ، يتوالد فكريا ً بشكل ذاتي.
غير أن الناظر المتفحص ، لهذه الأيدولوجيا المتخيلة ، المتزايدة بشكل ٍ مستمر ، لا يمكنه تجاوز التنوع العرقي ، واللغوي ، والفكري ، بدءا ً من بدايات تشكل الدولة الإسلامية ، مرورا ً بكل مراحلها اللاحقة ، السياسية ، والمعرفية ، و الصناعية.
لا يرتبط هذا التنوع بحضارة ٍ معينة دون الأخرى ، فهي سمة ملازمة لكل الحضارات في فترات الإزدهار ، والقوة ، ذلك ان الحضارات كالإسفنجة الجغرافية – المعرفية ، تستقبل كل صنوف المعرفة ، وتسعى لتنميتها ، وفي نفس الوقت تسعى لتوسعة الحدود الجغرافية ، وهو ما نجده عند الكثير من الحضارات ، والأمم.
لم تكن هذه الخلفية التاريخية ، المتعددة ، تتعايش بشكل ٍ مثالي ، ومتجانس ، بل كانت هناك الكثير من صنوف العنف الرمزي ، الذي يتحول مع مرور الوقت الى عنف مادي.

2) السياق المعاصر:
في السياق المعاصر ، عمدت الكثير من الآراء المسيطرة ، الى النظر لهذه المرجعية بنوع ٍ من الإصطفاء ، والنرجسية الذاتية ، الأمر الذي أدى الى طمس التنوع التاريخي ، والإبقاء على عنصر عرقي واحد ، ذلك أن بقية الأعراق التي ساهمت في بناء الحضارة العربية- الإسلامية لم تأتي إلا لأغراض ٍ إنتهازية ، أو آنية.
نلاحظ هذا الطمس ، واضحا ً في التسمية الإصطلاحية ، لهذا الفضاء الجغرافي ، والذي يسمى الآن : العالم العربي – الإسلامي ، فالتسمية هنا ، لا تكتفي بطمس التنوع و إلغائه على المستوى المعاصر ، بل تقوم بإجتثاث الــُبعد التاريخي ، المؤسس للوعي الحضاري العربي ومتعلقاته.
أثــّرت هذه الخلفية الإصطفائية التاريخية ، على سياق الفكر العربي المعاصر ، فهو بالرغم من عمق الأزمات التي يئن تحتها ، ويرضخ لها ، بل ويعيد إنتاجها بشكل ٍ دائم ، إلا انه وبهدف الإرتقاء بالخطاب الفكري والإبداعي العربي ، تصبح الإستعارة المفهومية ، والمعرفية ، ضرورة قصوى ، لا غنى عنها ، و لايمكن تجاوزها ، غير أن هذه الإستعارة ما تلبث إلا أن تـُوصم وصاحبها ، بأقسى ، وأقذع النعوت ، والتسميات.
الأمر الذي يجعل المشتغل بالتفكير والإبداع في السياق العربي، في مواجهة البعُد السوسيولوجي المنجذب للسلف ، بكل نقاوته المتخيلة ، وأحاديته الطهرانية.
هكذا نجد أن كل محاولات التجديد العلمية ، والمنهجية ، الموجهة لنقد التراث العربي ، والراهن المعاصر ، تــُقابل بالكثير من المصطلحات ، من قبيل "التغريب" ، و"الأوربة" ، وغيرها الكثير.
3) الأفق المستقبلي:
يبدو الأفق المستقبلي للفكر العربي ، إنعكاسا ً غير مباشر ٍ للأوضاع المعرفية التي تمر بها الحالة العربية الراهنة ، من تبعية ، وإستيراد كامل (مفاهيم ، صناعة ، معارف...الخ) ، غير أن الوضع العام ليس قاتما ً لدرجة الموت، بل هناك نوافذ ، ومداخل/مخارج ، شحيحة ، يتم مطاردتها بوسائل متنوعة ، و متجددة.
الإنجذاب للماضي ، والتخندق في مفاهيمه و أفكاره ، ليس إلا تعبير ٌ واضح عن الموت الوجودي والمفاهيمي ، في حين ان الإنزلاق في الإستيراد المعرفي ، والمفاهيمي ، هو خروج من المرحلة الحالية وسياقها.
الإنهمام بالحاضر ، والإنغماس فيه ، بنقده ، وتعريته ، والنظر إليه من زوايا متعددة ، مع الإنكشاف الواعي على كل الممكنات الفكرية ، والمفاهيمية ، بغض النظر عن مصدرها ، وتاريخها ، شريطة التعديل ، والتمحيص ، ربما ستضع المشهد الثقافي العربي على قدميه ، بدلا ً من رأسه.

No comments: