Wednesday, October 24, 2007

نمطية التفكير الفاعلة

ثمة انماط فكريه, تتصارع على الراهن الزماني والمكاني, هذا الراهن العجيب والمضطرب, الذي يسير بطريقة غير قابله للتنوع والتعدد. تحاول هذه الورقه ابراز فكرة: ان النقائض تتقاطع في سمات مشتركه فيما بينها, برغم بعدها الظاهري, الا انها في عمق الاسس والركائز , فهي تشترك في سمات عديده, ومتنوعه.بالاضافة إلى ذلك فأن هذه النقائض , قد تبوأت , وحازت , مكانة عاليه , بسبب ظروف وحيثيات مختلفه, في راهننا المعقد.يتم التركيز هنا, على شخصيتين بارزتين فاعلتين , هما (شارون) و(ابن لادن). في البدء سيتم التركيز على المنطلقات, والاسس المشتركه فيما بينهما,مع تبيان الاختلافات الاخرى,لنصل بعد ذلك إلى نتيجة هذه الاسس بالاضافه إلى عوامل اخرى, وهي نتيجة غير حتميه , بمعنى ان هناك نتائج اخرى , ممكنه او محتمله, ولكنها مغيّبه بحكم هذه النمطيه الفاعله.يعرف كاتب هذه السطور بأن هناك مساحة كبيره, من الرؤى والاختلافات بين الشخصيتين, وهذه الحقيقه ليست غائبه, ولكن هناك ايضا, ارضيات وثوابت, واسس, تفوق مساحة الاختلافات والبواعث المؤديه لهذا التغير الفرعي.المنطلقات الرئيسيه:-لا يمكن القول, بأن هناك اسساً ومنطلقات, باعثه لهذه النمطيه من التفكير, والفصل هنا سيكون تعسفيا, وساذجا , وغير مبرر. فاذا قلنا بأن النص المقدس هو المهيمن, دون الراهن الحالي واكراهاته وتعقيداته, ونفينا تأثير السلطات الاخرى كالسلطة الماليه والسياسيه, نكون قد اختزلنا الواقع إلى اجزاء , ناقصه ومبتوره.عندما نريد تحليل هذه النمطيه الفكريه الفاعله, فأننا سنطرد تلك التقسيمات بين واقع ونص, او ثابت ومتحول, ولكننا نستحضر في المقابل آليات التأويل , واساليب القراءه, للنصوص والوقائع. وهذه الجدليه المتداخله بين فرض الواقع على النص تأويلا معينا, او العكس. ( ليس مهما هنا ان كان يتناسب , هذا التأويل مع النص ام لا).يقسر الكائن البشري النصوص الكبيره, دينيه ام فلسفيه, يقسرها لرغباته وطموحاته, لآرائه ورؤاه. هذه القسريه في التعامل مع النص, ليست تلقائيه, بل ضروريه, وانما تأتي كشرط من شروط البقاء للكائن البشري, واسلوبا من اساليب الهيمنه على الواقع الذي اصبح منفلتا. في هذين المثالين (شارون) و(ابن لادن), نجد انهما يستخدمان نفس آلية التأويل, كنوع من انواع الخروج من الواقع الذي يعيشان فيه. في المثالين , نجد انهما يعيشان , واقعا متشابها في فصوله واقسامه.نجد لدى(شارون) , انه يعيش في واقع , غير صحيح, مختل, ويجب ان يعدّل. ان يزال موطن الخلل, ومكان الضعف. فالقدس , او اورشليم , ليست لغير اليهود, كما يرى (شارون), وليس للمسلمين او المسيحيين , فيها أي نصيب, برغم الادله التاريخيه والدينيه.والقدس كذلك في رأي (شارون) , وحاخاماته, او فقهاء اليهوديه, هي موطن اليهود الاصلي. كما اشار ذلك ايضا (ميل غيبسون) في فيلمه الدموي(الآم المسيح). وبما انها موطنهم الاصلي, فان أي خروج منه , لابد له من نهايه, والنهايه هي بداية الرجوع للاصل المكاني. هذه الرغبة في الرجوع للمكان الاول, لم تأت نتيجة هوى عابر, او لحظة اعجاب بالذات وامكانياتها. بل جاءت كنتيجة لتضافر القوى: التاريخيه والدينيه والسياسيه والماليه......في هذه الحاله تضافرت النصوص مع الواقع , والامكانيات, والرؤى المنبعثه, من كل ما يدور حولهم. فتم تأويل النصوص المقدسه : الدينيه والتاريخيه , واقتطاعها من سياقاتها الاصليه, ولصقها في واقع افتراضي مختلف.(لا اقول حقيقي, لأنه مازال في طور التكوين, أي ليس نهائيا). ليصبح هذا الواقع الافتراضي المختلف, نسخة معدله , او ظل للصورة الاصليه , كما وردت في النصوص المختلفه. وهذا جزء من تاريخ الاديان كما جاءت به. نلاحظ ان هناك بعض التعليمات التي وردت في النصوص المقدسه, للإعلاء من شأن الجماعة اليهوديه , وبأنهم (شعب الله المختار) , المفّضل على جميع البشر, وبأنهم ينبغي ان يعودوا لأرضهم ومسكنهم الاصلي. في حين ان , الراهن الحالي, يقول بأن هناك جماعة, قطنت/ احتلت/ لجأت/ استوطنت , المهم انها سكنت , واقامت لها صروحا, ومساكن تختص بها , وبدينها, وبمقدساتها. في الحقيقه هي ليست جماعة واحده, وانما اكثر: المسيحيين والمسلمين, على التوالي. وبأن هذه الجماعه ينبغي , ان ترحل/تغادر/تنهزم, المهم ان لاتبقى هنا. لأنها تحتل ارضنا/موئلنا/منبتنا. وبما ان التاريخ , يتسع للجميع , تقابله ضيق في نمطية الرؤيه والتفكير , فأن الصراع قد وجد ارضه ومكانه, ووجد ايضا, رجاله ونصوصه. كل شيء جاهز , او بمعنى آخر: كان التاريخ والدين والتأويل والارض. كانوا يعدون العدة الثقيله للصراع , والارث المعقد للنزاع.اذ يممنا وجوهنا, شطر (ابن لادن) , نجده , يستخدم نفس آليات التأويل, ليأتي في النهايه, حليفا , مشابها , او فلنقل مطابقا, ل(شارون). ف(ابن لادن), خرج من عالمه الواقعي , الذي نشأ فيه, الثراء والرفاهيه , ليدخل في عالم مليء بالمصاعب , والمتاعب. لأنه وجد نفسه في واقع مزدوج, غريب , غير مقبول. ينبغي ان يستبدل بآخر, طبقا للمواصفات , والمقاييس الاسلاميه, التي تغيّرت, ولكن عقلية , واضع هذه المواصفات , لم تتغير , انها مازالت اسيرة لنمطية الرؤيه التي تجتر الماضي, وتستعين به, بل وتجعله , دليلا للسير وموجها.تدّخل النص المقدس , هنا , اوادخل, واقتطع منه, ليلائم افكار ورؤى, (ابن لادن) , مثلما هو حاصل لدى (شارون). (اريد التركيز على نقطة مهمه وهي: يلائم افكار ورؤى (ابن لادن) و(شارون). وليس الواقع بعموميته واتساعه. اذن تم حصر , وتضييق للنصوص المقدسه , وتم اختزال النظر اليها كأحكام فقط, بدون مراعاة لتاريخية النص, واسباب النزول وغيرها من احكام النصوص الكبرى لدى الطرفين). هذا الادخال المتعمد, الخارج عن نطاق السيطره على الآثار والنتائج, اكسب (ابن لادن) شعبية كبيره, او اثار عليه, سخطا واسعاً , حسب رؤى المتلقي واتجاهاته. اللباس الذي يرتديه (ابن لادن) , وهيئته, ومكان وطريقة سكنه, كل هذه العوامل اكسبته مصداقية كبيره, واوسمة معنوية عاليه, مما جعلته يقود حملة كبيره لهذا الاتجاه النمطي من التفكير, والذي سيصبح بعد ذلك , سلوكا متداولاً. زهده عن الدنيا , وابتعاده عن الملذات المتاحة له, واختياره الجبال مكانا للسكن, كلها علامات رمزيه, لتلك الرغبة الكبيره , في التطابق مع العصر الذهبي للأسلام, وطمعا في استعادته, التي اصبحت بعيدة المنال, ان لم تكن مستحيله. وهو في ذلك , يوجه رسالة ,لأنصاره المحتملين , والمتزايدين, في نفس الوقت, بضرورة السير على نهجه لرفعة الامة الاسلاميه, ونصرة الدين الحنيف.هذه الاوضاع المتشابهه للشخصيتين, اثارت سخطا كبيرا, وحنقا شديداً , على ديانتيهما, والسبب هو استخدام , او اقتطاع النصوص والرموز , من هناك. (هذه النقطه ليست واضحه لدى (شارون)).الاتكاء على البعد الديني , للشخصيتين, (سواء بشكل واضح ل(ابن لادن) او بشكل غير واضح ل(شارون)) , واستخدام العلامات الرمزيه الداله على التطابق الكبير لدين معين, هو ما اعطى لها مشروعية الفعل , بالاضافة للراهن المضطرب. هذه اولى سمات التقاطع بين النقائض, وسيادة نمطية التفكير.حينما تتضافر القوى , والعوامل في راهن زماني , ومكاني, معين , بهدف تقويض واقع معين, واستبداله بواقعٍ آخر, فأنها تنجح في ذلك , او على الاقل تتمكن من بناء اسس الواقع الجديد.في وضعية (شارون) , تضافرت القوى السياسيه والاقتصاديه و الاعلاميه. سواء قوته, او ضعف الخصم , او امتلاك رؤوس الاموال العماليه , او السيطره على اهم قنوات التأثير الاعلامي. كل هذه العوامل وغيرها , اتحدت , لتردم تلك المساحه الفاصله بين القول والفعل, او احيانا تتقدم الافعال الاقوال. ويدل ذلك على هذا التضافر المتين , والتحالف الوثيق , لتحقيق الهدف المرسوم مسبقا, من اجل اخراجها (الفكره) , من الوجود بالقوه إلى الوجود بالفعل.لا تمتلك الشخصيتان, أي شيء غير ارضي, ولاتساعدهما في ذلك , أي ارادة فوقيه, فالتخطيط والتحالف, والتضافر, من انجح الوسائل والطرق على الاطلاق.لا يختلف كثيرا(ابن لادن) عن سابقه تاريخيا, اقصد الظهور التاريخي والاعلامي, اقول: لايختلف عن (شارون). ف (ابن لادن) , مع الاختلاف الطفيف في الدرجه , يحايث (شارون) , في اتباع الطرق والوسائل , للوصول إلى نفس الهدف, مع اختلاف بسيط في درجة وتركيز , هذه الوسائل. هذا الاختلاف لم يأت نتيجة لرغبة عند (ان لادن) , وانما جاذ نتيجة, لمحدودية الامكانيات , مقارنة بالإمكانيات المتاحه لدى (شارون). الامر الذي جعل (ابن لادن) قد اقتصر ظهوره , من خلال الاشرطه والتسجيلات فقط , مع قلةالافعال التي يأتي بها , وتباعدها , مما ادى إلى ان بعض انصاره القدامى بدءوا , يشككون في نزاهة افعاله , وحيادية اقواله. التخطيط وتضافر القوى , تكون نتيجتها الطبيعيه, ترجمة الاقوال إلى افعال. هذه هي السمة الثانيه لتقاطع النقائض , وسيادة نمطية التفكير.تلك هي المنطلقات المتشابكة, والركائز المعقدة, التي عندما تتحد, مع نمطية التفكير , لشخصيات فاعله ومؤثره, فأنها تنتج بالضرورة المنطقيه, اتجاها يتكاثر مع مرور الايام , يجعل نصب عينيه: انه لاتوجد وسيلة , مجديه (لاسترداد الحقوق) واستعادتها الا عن طريق واحد وهو : العنف.هذه النمطيه للطبقة الفاعله, تتسرب بشكل لاارادي , لطبقة منفعله, متلقيه. وهي(النمطيه) , اذ تتسرب فأنها بمرور الوقت تتحول إلى تيار , يتناسل, وينتج آليات لتبريره, واقصاء لغيره من الحلول والخيارات.ينبغي الاشاره إلى ان هذه الطبقه المنفعله, ليست ساذجه , وبليده , بل هي متفاوته في جميع التيارات والاتجاهات. وهي (الطبقه) , اذ تتلقى هذا الاتجاه, فذلك نتيجة إلى انغلاق افق الخيارات والتنوع, على جميع المستويات اهمها: الفكريه والسياسيه.اصبح العنف لدى هذه الطبقة المنفعلة, متنوعا , متعددا, يتخذ أشكالا كثيرة , وصيغا متعدده, ولكنه في المقابل بقي محصورا في إطار الرؤية الضيقة لكيفية التعامل والتخاطب. تنبغي الإشارة هنا, إلى ان هذا الطريق الوحيد الذي سلكته الشخصيتان واتباعهما, لم يأت الا بنتيجة معاكسه, ضديه. فالعنف لا يولّد الا مثله, او اشد. والعدل كذلك. والحوار القائم على نوع من تبادل الرؤى , لا ينتج عنفا , وإنما ينتج تقاربا, ورؤى , تتجه إلى الاختلاف الغيرعنيف. ترى الشخصيتان , انه لكي يتم (استعادة الارض) و(استرداد الحقوق) , لاتوجد طريقة افضل من القتل, وفي ذلك تهميش, واستبعاد لخيارات اخرى , اقل كلفه, واقل وحشيه. هذا الاستبعاد لأنماط متعدده , واستحضار نمط واحد , معين , يكشف ان هذه العقول الفاعله, لاترى الا بما تملك, وماتفتقده لاتراه. هناك جوانب تم اقصاؤها. الاموال المهدره من اجل احراز التقدم الارضي بالسلاح, كان من الافضل(في حالة ابن لادن) , ان تسيثمر في عقول البشر , المطلوب توعيتهم , وليس في اجساد(الضد) و (النقيض). فالعنف لايولدّ الاعنفا. وما هو حاصل الآن , ان الخناق يضيق كل يوم على المنتسبين, او المنتمين, لديانة هاتين الشخصيتين , دون ادراك ان رؤية , هذه الطبقة الفاعله , قد تسربت بشكل لاإرادي احيانا , وارادي مقصود , احيانا اخرى. لتصبح هذه الرؤيه , سلوكا يتبع من قبل طبقة منفعله , مغلوب على امرها. وهو ما ينذر بأن القادم اسوأ , واعنف , وربما اكثر وحشية وهمجية.

No comments: